Wednesday, July 2, 2008

حقيقة الخلاف بين الصحابة

الفتنة الكبرى



هو خلاف بين الصحابة، سببه أن القضايا كانت مشتبهة، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام:

قسم ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف وأن مخالفه باغٍ، فوجب عليهم نصرة هذا الطرف وقتال الباغي مع الإمام، لقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات 9]
وقسم عكس هؤلاء: ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر، فوجب عليهم مساعدتهم وقتال الباغي عليهم، وأيضًا من نفس المنطلق ونفس الآية السابقة
وقسم ثالث: اشتبهت عليهم القضية وتحيروا فيها، فاعتزلوا الفريقين، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم، لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) [رواه البخاري]

فلا يجوز على الإطلاق الطعن في أحد من الصحابة، وحسن الظن مطلوب في حق كل المسلمين، وفي حق الصحابة أَولى، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر 10]
وإذا تبين خطأ أي من الصحابة في اجتهاده فنقول: اجتهد فأخطأ فله أجر، وسيتبين إن شاء الله بعد عرض الموضوع بكامل تفاصيله أن المسألة كانت اجتهادية، ولكلٍّ اجتهاده السائغ، ولذلك نرى موقف عليّ بن أبي طالب مع أهل الشام -معاوية والذين معه- يختلف تمامًا عن موقفه من الخوارج! وذلك لأن أهل الشام كان لهم تأويلٌ سائغٌ واجتهاد، أما الخوارج فلا، ولذلك أيضًا نجد في النصوص الشرعية وصف الخوارج بأنهم يمرقون من الدين، وأنهم كلاب أهل النار، أما أهل الشام فكان عليٌّ رضي الله عنه يقول: قتلانا وقتلاهم في الجنة، وأيضًا، لم يكن في الخوارج صحابيٌّ واحدٌ، لا في الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه، ولا في الذين حاربوا عليًّا وقتلوه رضي الله عنه، ولا في الذين حاولوا قتل معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما
فلا يجوز أن يقلل هذا الخلاف وهذه الفتنة من شأن علي بن أبي طالب، أو معاوية بن أبي سفيان، أو عمرو بن العاص، أو عائشة أم المؤمنين، أو الزبير بن العوام، أو طلحة بن عبيد الله ... إلخ، الذين شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل واحد منهم بالإيمان، أو غيرهم من الصحابة (رضوان الله عليهم أجمعين)

وفيما يلي -إن شاء الله- تلخيص لأهم احداث الفتنة، وتلخيص لوجهات النظر المختلفة


نسرد قبل البدء في الموضوع بعض الأدلة من الكتاب والسنة على فضل الصحابة الذي فاق فضل كل أحد:

* قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة 100]
* وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة 218]
* قوله: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران 195]
* وقوله: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} [الأنفال 74،75]
* وقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح 18]
* وقوله تعالى: {...فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الفتح 26]
* وقوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح 29]
* وبشّر الله الصحابة كلهم بالحسنى، وهي الجنة، في قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد 10]
* وآيات أخرى كثيرة

* وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحُدٍ ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه) [رواه البخاري]، ومعنى الحديث: لو أنفق أحدٌ من غير الصحابة مثل جبل أحد من الذهب، لن يبلغ المُدّ الذي أنفقه الواحد من الصحابة، والمُدّ: ملء الكف!
* وقوله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) [رواه البخاري]
* وقوله صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان يُبعث منهم البعث، فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيوجد الرجل، فيُفتح لهم به... إلى آخره) [رواه مسلم]
* وأحاديث أخرى كثيرة، حتى إن هناك كتب ومجلدات صُنّفت لجمع الأحاديث في فضائل الصحابة وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فيهم عمومًا وفي أفرادهم

وفيما يلي -إن شاء الله- تلخيص لأهم احداث الفتنة، وتلخيص لوجهات النظر المختلفة


عبد الله بن سبأ وأتباعه وبداية الفتنة

* رجل من يهود اليمن، ادعى الإسلام، هو الذي قاد التشيع وعمل على انتشاره خاصة في بلاد فارس والعراق ومصر
* قال بأنه يجب أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوصى لأحد من بعده، فكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وادعى إنه قد أوصى من بعده لعلي رضي الله عنه وأن عليا أحق بالخلافة من عثمان بن عفان رضي الله عنه، بل ومن أبي بكر ومن عمر بن الخطاب (رضي الله عن الجميع)
* بدأ في نشر بعض المآخذ والسلبيات التي افتراها على عثمان، وجميعها يظهر كذبها بعد البحث والتمحيص
* عاونه الكثيرون في نشر تلك الفتنة، وازداد أتباعه من الجهلة في الكثير من البلدان، زوروا كتبا على ألسنة الصحابة تدعو الناس إلى الخروج على عثمان، وتبرّأ الصحابة مما نُسب إليهم لما بلغتهم تلك الكتب!!
* حاصر هؤلاء المتمردون بيت عثمان بن عفان، ثم قتلوه وهو صائم ويقرأ القرآن
* ظل المتمردون يطالبون عليا بأن يبايعوه كخليفة للمسلمين، وأصر على ذلك كبار الصحابة، حتى رضي علي بأخذ البيعة بعد فترة من الرفض، وكان عليٌّ رضي الله عنه أحق الناس بالخلافة بعد عثمان رضي الله عنه

منذ ذلك الحين اختلف كبار الصحابة والمسلمين في كيفية التصرف مع القتلة في فتنة مقتل عثمان (رضي الله عنه)


وجهة نظر معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ومن معه (أهل الشام)

* قـُتِل صاحب رسول الله، أحد العشرة المبشرين بالجنة، ذو النورين، خليفة المسلمين، في الشهر الحرام، وأرسلت أم المؤمنين أم حبيبة إلى أخيها معاوية قميص عثمان ملطخًا بالدماء، ومعه أصابع زوجته نائلة اللي قطعت أثناء قتله، كل ذلك وأكثر من ذلك أجج مشاعر المسلمين، حتى قال رسول معاوية لعلي (رضي الله عنهما): (تركت ستين ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان وهو على منبر دمشق)
* حكم القصاص مقدم على حكم البيعة (حسب اجتهاده)، بمعنى أنه لن يبايع الخليفة حتى يُسلّمه القتلة الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه، فحتى يُسلمه إياهم فقط: هو متوقف عن البيعة
* قال معاوية أنه لن يبايع من يؤوي القتلة، فقتلة عثمان مندسين في عسكر علي، لذا خشي معاوية إن بايع عليا أن تسنح الفرصة للقتلة أن يظلموهم ويعتدوا عليهم ويضيع دم عثمان
* يجب أن يحرص معاوية على القصاص لأنه ولي الدم (نظرا لقرابته من عثمان) تطبيقا لقول الله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء 33]
* لم يكن معاوية حريصًا على الخلافة أبدًا، ولم يطلبها أصلاً، بل كان يعلم أن الخلافة في كبار الصحابة، خاصة في بقية الستة من أهل الشورى، كما أنه قال عن علي: (إني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر)


وجهة نظر عائشة أم المؤمنين والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله (رضي الله عنهم) ومن معهم

* كان لهم نفس رأي معاوية رضي الله عنه في البداية
* ورأوا أن القصاص فيه عزة للإسلام
* إلا أنهم قبلوا مبايعة علي رضي الله عنه
* خرجوا إلى البصرة مطالبين بدم عثمان وبالإصلاح بين المسلمين، لكنهم لم يريدوا الحرب أبدا، بل ولم يدُر في ذهن أحدهم حدوث أي قتال!
* استطاع القعقاع بن عمرو التميمي أن يقنعهم بوجهة نظر علي، فوافقوه واتفقوا على رأيه، لكن المتمردين أبوا إلا الفتنة كما سيأتي ذكره إن شاء الله



وجهة نظر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه

* تبرأ علي من دم عثمان ولعن قتلته
* رأى أنه يجب التريث وعدم التعجل في القصاص حتى تستقر الأوضاع ويتملك زمام الأمور، حيث أن قتلة عثمان ومن عاونهم كانوا كثيرين، ولهم قبائل تحميهم وتثور حميتها لأجلهم، والفتنة مازالت قائمة
* رأى أن يعزل بعض الولاة (ومنهم معاوية) ويولي آخرين حتى يهدئ من ثورة المتمردين
* لم يكفر معاوية ومن معه أبدا، بل كان ينهى الناس حتى عن شتمهم، وحتى بعد معركة صفين كان يمر على قتلى الطرفين ويقول: (هؤلاء في الجنة وهؤلاء في الجنة)
* عليّ هو الإمام ومن رفض مبايعته فهو باغٍ وجب قتاله حتى ينقاد إلى الحق ويبايع الخليفة


وجهة نظر معتزلي الفتنة

* التبس عليهم الأمر ولم يتضح الحق، هل الحق في وجوب الإسراع بالقصاص ودعم أهل الشام في مطالبتهم بذلك؟ أم في التسكين والتريث؟
* رأوا عدم الدخول في الفتنة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتنة، القاعد فيها خير من الماشي فيها، والماشي فيها خير من الساعي إليها، ألا فإذا نزلت أو وقعت، فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه)، فقال رجل: يا رسول الله أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: (يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت) [رواه مسلم]
* رأوا أن قتال الفئة الباغية فرض كفاية وليس فرض عين
* رأوا أن الحل قد لا يكون في القتال، بل في الصلح
* كان منهم كبار الصحابة مثل: سعد بن أبي وقاص، أبو موسى الأشعري (شارك في التحكيم)، عبد الله بن عمر، عبد الله بن عمرو (اضطر للخروج طاعة لأبيه عمرو بن العاص، لكنه اعتزل القتال)، أبو هريرة، أبو أيوب الأنصاري، صهيب الرومي، محمد بن مسلمة، سلمة بن الأكوع، عبد الله بن سعد بن أبي السرح


والحق أن عليا كان الأقرب إلى الصواب، وذلك لأسباب وأدلة:

* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويح عمار، تقتله الفئة الباغية) [رواه البخاري]، وكان عمار مع عليّ، وقُتل في معركة صفين التي كان فيها ضد معاوية ومن معه
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخوارج (الذين خرجوا على عليّ بعد التحكيم): (تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين، يقتلها أولى الطائفتين بالحق) [رواه مسلم]، وكان عليّ ومن معه هم الذين قاتلوهم وهزموهم كما سيأتي ذكره إن شاء الله
* هذا لا ينفي أن الصحابة (رضوان الله عليهم) من كلا الطرفين مجتهدون، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) [رواه البخاري]، فعلي رضي الله عنه مصيب وله أجران إن شاء الله، ومعاوية مخطئ وله أجر إن شاء الله
* كون إحدى الفرق كانت أقرب للحق والأخرى باغية، فلا ينفي هذا عن الأخرى أن أتباعها من المؤمنين، حيث قال الله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، فقد أثبت الله تعالى أن الطائفة التي بغت هي من المؤمنين، وقد أثبت ذلك أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عن الحسن بن علي رضي الله عنه: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) [رواه البخاري]، ومن المعلوم أن الحسن تنازل لمعاوية عن الخلافة بعد مقتل عليّ رضي الله عن الجميع، وأثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهذا يعني أنه التصرف السليم، إما وجوبًا أو استحبابًا


موقعة الجمل

* خرجت عائشة ومعها الزبير وطلحة (رضي الله عنهم) ومن معهم إلى البصرة ليتوحدوا مطالبين بدم عثمان وبالإصلاح بين المسلمين، ولم يريدوا الحرب أبدا
* خرج إليهم عليّ وتجمع معه أثناء الطريق 20000 رجل، وقد تجمع مع عائشة 30000
* استطاع القعقاع بن عمرو التميمي أن يقنع عائشة والزبير وطلحة بوجهة نظر علي، فوافقوه واتفقوا على الصلح
* لكن السبئيون (أتباع عبد الله بن سبأ) المتمردون أبوا إلا الفتنة، فانتشروا ليلا في المعسكرين والناس نيام بعد الاتفاق على الصلح، فأعملوا فيهم السيوف حتى ظن كل فريق أن الآخر قد خانه، فدار القتال، وساهم السبئيون في إشعاله أكثر على الرغم من محاولات علي وطلحة في كلا الطرفين أن يوقفوا القتال
* انطلقت عائشة في هودجها على جملها وسط المعركة لتحض الناس على وقف القتال، لكن بلا فائدة، بل تجمع السبئيون حول الجمل يريدون قتل عائشة، حتى أنقذها عليّ حينما أمر بعض المسلمين بعقر الجمل وإخراج هودج عائشة من ميدان المعركة، فلما كان ذلك هدأت المعركة وانتصر علي بعد أن قـُتل الكثير من المسلمين
* قـُتل طلحة بن عبيد الله، فحزن عليه عليّ حزنا شديدا وقال بعد أن كان يمسح التراب عن وجهه: (عزيزٌ عليّ أبا محمد أن أراك مجندلا في الأودية)
* قـُتل الزبير بن العوام، واحتز قاتله رأسه وذهب بها إلى علي يظن أنه يبشره بمقتله، فحزن علي حزنا شديدا وقال: (بشر قاتل ابن صفية بالنار)، وقال لما رأى سيف الزبير: (إن هذا السيف طالما فرج الكرب عن وجه رسول الله)
* أمر علي برد عائشة إلى مأمنها معززة مكرمة بعد أن أعلنا للناس أنه ما كان بينهما إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وقال علي: (هي زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة)
* ندم الكل على تلك الموقعة ندما شديدا


موقعة صفين

* بعد إصرار كل طرف على رأيه، رأى عليٌّ أن يُجبر أهل الشام على المبايعة بالقوة، فسار بجيشه وخرج إليهم
* خرج معاوية بأتباعه من أهل الشام، والتقى الجيشان في منطقة تسمى صفين
* تمت بينهما بعض المراسلات كمحاولات للصلح خاصة حينما دخل الشهر المحرم وتوقف القتال، إلا أن كلا الطرفين كان متمسكا برأيه
* استغل ملك الروم هذا الخلاف وتقدم بجيشه نحو الأراضي الإسلامية، فكتب إليه معاوية: (والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين، لاصطلحن أنا وابن عمي عليك، ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت)
* عامل عليّ الأسرى معاملة حسنة، فكان يعرض على الأسير أن يبايع عليا ويدخل في طاعته حتى يخلي سبيله، فإن أبي أخذ منه حلفه ألا يعود لقتاله، فإن أبى تحفظ عليه في الأسر، لكنه لا يقتله
* قـُتل عمار بن ياسر الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تقتله الفئة الباغية)، فعلم بعض أتباع معاوية انهم اخطأوا في اجتهادهم، إلا أن معاوية رأى أن عمارا قتله من أتى به من أتباع علي بتشجيعهم له على القتال
* بعدما اشتد القتال وكثر عدد القتلى في الطرفين، دعا الأشعث بن قيس إلى الصلح مخافة أن تفنى العرب، ووافقه معاوية مخافة أن تغير الروم على الشام أو الفرس على العراق، فأمر بربط المصاحف على الرماح إشارة إلى طلب تحكيم كتاب الله، فوافق علي على ذلك، إلا أن قتلة عثمان لم يرضوا بذلك فظهر الخوارج كما سيأتي ذكره إن شاء الله


التحكيم

* اجتمع أبو موسى الأشعري (من طرف علي) وعمرو بن العاص (من طرف معاوية) رضي الله عنهما
* تحاورا كثيرا ولم يصلا إلى شيء عن تقديم البيعة أو القصاص
* فاتفقا على أن يتركا تحديد الخلافة إلى السابقين الأولين من كبار الصحابة، منهم علي، وليس منهم معاوية ولا عمرو لأنهما ليسا من السابقين الأولين
* اتفقا أن يجتمعا في العام المقبل في دومة الجندل، وحتى ذلك الحين يحكم كل من علي ومعاوية فيما تحت يده من الدولة الإسلامية (فمعاوية والي الشام وأميره منذ زمن عمر بن الخطاب)
* رضي الطرفان بهذا الاتفاق



الخوارج

* هم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه من قتلة عثمان لرفضهم للتحكيم، فقد كانوا يقاتلون معه في صفين وأبوا إلا القتال
* اخترعوا مقولة: (الحكم لله)، فكانت (كما قال علي) كلمة حق أريد بها باطل
* كفـّروا المسلمين جميعًا، إلا مَنْ وافقهم، وقتلوا عليا بعد ما هزمهم في حروبه معهم، وحاولوا قتل معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص
* حذرنا منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمي) [رواه البخاري ومسلم]


عام الجماعة

* بايع المسلمون بالإجماع الحسن بن علي رضي الله عنه
* بعد ستة شهور من خلافته، تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه لجمع شمل المسلمين وتوحيد كلمتهم، فسمي ذلك العام بعام الجماعة
* كان ذلك مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)


بعض القصص والروايات المكذوبة

* أن عائشة (رضي الله عنها) حرضت الناس على قتل عثمان، وقد بلغها ذلك فيما بعد وتبرّأت منه
* أن عليا رضيَ بمقتل عثمان
* أن عائشة خرجت على عليّ وأرادت الحرب
* أن الزبير بايع عليا والسيف على رقبته، أي يزعمون أنه أُجبر على البيعة
* أن معاوية خرج على عليّ لطلب الخلافة
* أن عمرو بن العاص خدع أبو موسى الأشعري في التحكيم بخدعة الخاتم الشهيرة
* أن عليا ومعاوية أخذ كل منهما يلعن ويدعو على الآخر حتى في الصلوات




الخاتمة

{"تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}
تلك دماء طهر الله أيدينا منها، أفلا نطهر بها ألسنتنا؟
قتال شهده الصحابة وغبنا عنه، وقد علموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعنا، واختلفوا فوقفنا
من عقيدتنا (أهل السنة والجماعة) ألا يذكر أحد من الصحابة إلا بأحسن ذكر، والإمساك عما شجر بينهم، فهم أحق الناس بحسن الظن
فقد شهدوا المشاهد والغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد لهم بالإيمان، ونحن نتقرب إلى الله بحبهم كما أمرنا
فالخلاصة أنهم معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون

قال الله تعالى:
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ
وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ
تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا
}
[الفتح 29]




المصادر

* كتاب حقيقة الخلاف بين الصحابة - دكتور علي محمد الصلابي
* موقع قصة الإسلام http://www.islamstory.com - دكتور راغب السرجاني
* كتاب يا أهل السنة خذوا حذركم - الشيخ عبد الرحمن يعقوب


مراجع للتوسع

* منهاج السنة النبوية - شيخ الإسلام ابن تيمية
* العواصم من القواصم - القاضي ابن العربي
* كتب العقيدة بصفة عامة
* كتب فضائل الصحابة

1 comment:

رفقة عمر said...

الموضوع طويل محتاج قراءه بتأنى
هاقراه واعلق تانى ان شاء الله